الخبر.. أصبح شائعة!!
خالد بن محمد الشبانة
خبر فرّق بين اثنين، هدم بيتاً، أوغر صدوراً، أفسد صداقة، أعمى بصيرة، أحزن حبيباً، أشعل نار فُرقة، عقّد خصومة، أضرم عداوة، أجّج غضباً، وفي الأخير يقولون:
"الخبر صار.. شائعة!".
تشيع وتنتشر كشرارة النار في الهشيم، تبلغ الآفاق بين ساعة وضحاها، يعززها اليوم الإعلام الجديد تويتر، والواتس أب، ومنتديات النت خاصة، والمجالس عامة، وهو مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليكذب الكذبة تبلغ الآفاق".
كم شائعة فرّقت بين أزواج، وهدمت كيان أسرة، وأثارت ضغائن، وفرّقت بين أحباب وأصحاب، بل زلزلت دولاً، وفرّقت أوطاناً، وحرّضت على مِحَن و"بلابل".
صاحب الشائعة يلوك في المجالس بالقيل والقال، وكثرة السؤال، مطيته "زعم الناس" و"بئس مطية الرجل زعموا"، ينسى أن أكثر ما يُدخل النار "اللسان".
شائعته تمتد بلا حدود ولا قيود، يثقل نفسه بسيئات لا تنقطع!
هو من ".. شرّ الناس منزلة يوم القيامة"؛ لأنه ".. من تركه الناس اتّقاء شرّه"، ومن "كثر كلامه كثر لغطه".
بعض الناس يهبه الله لساناً وحسن بيان، فيصرفه لتركيب شائعة وحبك كذب.
تظهر الشائعات في القلاقل والفتن؛ للإفساد ولمزيد الفوضى، وللحرب النفسية.
مغزى الشائعة: التشفي والشماتة، الانتقام والإضحاك، في الحديث "ويل للذي يكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له..".
الشائعة كلمة تكبر حتى تنسج قصة، كدحرجة كرة الثلج.
لك أن تتأمل بما تمتلئ الاستراحات والمقاهي والأرصفة، وبماذا تمرر المكالمات في الهواتف! إنه كلام!
يا ترى؟ أي كلام!
مجالس الشائعات معاطن خزي وعار، وفضائح ودمار، نهايتها عذاب ونار.
أما متلقي الشائعة! فإن كان ضحل العلم، خفيف العقل، يتلقفها ثم ينشرها بسرعة.
وصفنا الغرب بأننا ثرثارون متكلمون قليلو عمل كثيرو كلام!
تشاهد الغربي يستغل فراغه بالقراءة والأعمال، بينما العربي بالكلام والجدال!
للأسف، أصبح ميدان حديثنا شائعة النقد اللاذع، والكلام الهادم، بسياط ضاربة، فقلّ التشجيع والثناء بل الدعاء.
أنقصنا "صورة" أخلاق الإسلام الكاملة بممارساتنا الناقصة.
منهج الإسلام تكذيب الشائعات، بإحسان الظن وردّه، والتغافل والصفح، والعفو عمن تكلم بها، وأن ندعو له بالهداية، وأن نشيع الكلمة الطيبة والابتسامة الراسمة لما في قلوبنا من صدق ونزاهة وسلام.
العاقل من كانت أعماله تغلب أقواله، وتتحدث عنه، حتى يكون حديث الناس، لا الناس حديثه.
ومن رُمي بالشائعة فعليه أن يصبر ويحتسب، وقد ابتُلي بيت أطهر البشر بالشائعة الكاذبة حتى قال الله تعالى {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين}.
{يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.
وفي الحديث النبوي:
" كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع ".
"ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذّابا".
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".
".. وكره لكم قيل وقال".
{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}.