هل يصِح الدعاء على الأعداء في المسيحية؟!
في المسيحية، يأمرنا السيد المسيح قائلًا: "أحبوا أعدائكم.. باركوا لاعنيكم.. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (أنجيل لوقا 28،27:6).. ويقول الله كذلك: "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء.. إن كان الله معنا فمن علينا" (روميه 19:12)؛ "لاَ تَفْرَحْ بِسُقُوطِ عَدُوِّكَ، وَلاَ يَبْتَهِجْ قَلْبُكَ إِذَا عَثَرَ" (سفر الأمثال 24: 17)؛ "إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ خُبْزًا، وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ مَاءً.. وَالرَّبُّ يُجَازِيكَ" (سفر الأمثال 25: 21، 22).. وأيضًا: "باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا" (رومية 14:12). فالمسيحية هي دين الحب للجميع، فأنا لا أكره الخاطئ، ولكنني أكره الخطية.. وهناك فرق..
فلماذا أدعو ضد أعدائي؟! لماذا لا أصلي لأجلهم حتى يحولهم الله بقدرته العظيمة إلى أصدقاء؟! فأكون ربحت من الجانبين.. لماذا لا أقاوم الشر بالخير؟
فكما يرى القديس أغسطينوس في تفسيره للموعظة على الجبل، أن السيد المسيح عندما قال "لا تقاوموا الشر" (انجيل متي 38:5) قد أدخل الكمال المسيحي كأعلى درجات الحب التي تربط الإنسان بأخيه..
إذ يرى أن العلاقة التي تقوم بين البشر تأخذ ست درجات:
1- الدرجة الأولى: تظهر في الإنسان البدائي الذي يبدأ بالاعتداء على أخيه.
2- الدرجة الثانية: فيها يرتفع الإنسان على المستوى السابق، فلا يبدأ بالظلم، لكنّه إذا أصابه شر يقابله بشرٍ أعظم.
3- الدرجة الثالثة: وهي درجة الشريعة الموسويّة التي ترتفع بالمؤمن عن الدرجتين السابقتين فلا تسمح له بمقاومة الشرّ بشر أعظم، إنّما تسمح له أن يقابل الشرّ بشر مساوٍ. أنها لا تأمر بمقابلة الشرّ بالشرّ، إنّما تمنع أن يرد الإنسان الشرّ بشرٍ أعظم، لكنّه يستطيع أن يواجه الشرّ بشر أقل أو بالصمت أو حتى بالخير إن أمكنه ذلك.
4- الدرجة الرابعة: مواجهة الشرّ بشرٍ أقل.
5- الدرجة الخامسة: يقابل الشرّ بالصمت، أي لا يقابله بأي شر، أي عدم مقاومته.
6- الدرجة السادسة: التي رفعنا إليها السيّد وهي مقابلة الشرّ بالخير، ناظرين إلى الشرّير كمريض يحتاج إلى علاج.
ويُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على مقاومة الشر بالخير، قائلًا: [لا تُطفأ النار بنارٍ أخرى، وإنما بالماء... ليس ما يصد صانعي الشرّ عن شرّهم مثل مقابلة المضرور ما يصيبه من ضرر برقّة. فإن هذا التصرّف ليس فقط يمنعهم عن الاندفاع أكثر، وإنما يعمل فيهم بالتوبة عما سبق أن ارتكبوه، فإنهم إذ يندهشون بهذا الاحتمال يرتدّون عما هم فيه. هذا يجعلهم يرتبطون بك بالأكثر، فلا يصيروا أصدقاءً لك فحسب، بل وعبيدًا عِوض كونهم مبغضين وأعداء.]
• يجب أن نتجنّب العداوة مع أي شخص كان، وإن حصلت عداوة مع أحد فلنسالمه في اليوم ذاته... وإن انتقدك الناس (على ذلك) فالله يكافئك. أمّا إن انتظرت مجيء خصمك إليك ليطلب منك السماح فلا فائدة لك من ذلك، لأنه يسلبك جائزتك ويكسب لنفسه البركة". (القديس يوحنا الذهبي الفم).